" الحَرْثُ والحِراثَةُ : العَمل في الأَرض زَرْعاً كان أَو غَرْساً ، وقد يكون الحَرْثُ نفسَ الزَّرْع ، وبه فَسَّر الزجاجُ قوله تعالى : أَصابت حَرْثَ قوم ظَلَمُوا أَنْفُسَهم فأَهْلَكَتْه . حَرَثَ يَحْرُثُ حَرْثاً . الأَزهري : الحَرْثُ قَذْفُكَ الحَبَّ في الأَرض لازْدِراعٍ ، والحَرْثُ : الزَّرْع . والحَرَّاثُ : الزَّرَّاعُ . وقد حَرَث واحـْتَرثَ ، مثل زَرَعَ وازْدَرَع . والحَرْثُ : الكَسْبُ ، والفعلُ كالفعل ، والمصدر كالمصدر ، وهو أَيضاً الاحْتِراثُ . وفي الحديث : أَصْدَقُ الأَسماءِ الحارِثُ ؛ لأَن الحارِثَ هو الكاسِبُ . واحْتَرَثَ المالَ : كَسَبه ؛ والإِنسانُ لا يخلو من الكَسْب طبعاً واخْتياراً . الأَزهري : والاحْتِراثُ كَسْبُ المال ؛ قال الشاعر يخاطب ذئباً : ومن يَحْتَرِثْ حَرْثي وحَرْثَكَ يُهْزَلِ والحَرْثُ : العَمَلُ للدنيا والآخرة . وفي الحديث : احْرُثْ لدُنْياك كأَنك تَعيش أَبداً ، واعْمل لآخرتك كأَنك تَموتُ غَداً ؛ أَي اعْمَلْ لدُنْياك ، فخالَفَ بين اللفظين ؛ قال ابن الأَثير : والظاهر من لفظ هذا الحديث : أَمّا في الدنيا فالحَثُّ على عمارتها ، وبقاء الناس فيها حتى يَسْكُنَ فيها ، ويَنْتَفِع بها من يجيءُ بعدك كما انْتَفَعْتَ أَنتَ بعمل مَن ان قبلك وسَكَنْتَ فيما عَمَر ، فإِن الإِنسان إِذا عَلِمَ أَنه يَطُول عُمْرُه أَحْكَم ما يَعْمله ، وحَرَصَ على ما يَكْتَسبه ؛ وأَما في جانب الآخرة ، فإِنه حَثَّ على الإِخلاص في العمل ، وحضور النيَّة والقلب في العبادات والطاعات ، والإِكثار منها ، فإِن من يعلم أَنه يموت غداً ، يُكثر من عبادته ، ويُخْلِصُ في طاعته ، كقوله في الحديث الآخر : صَلِّ صلاةً مُودِّع ؛ وقال بعضُ أَهل العلم : المراد من هذا إِلى الحديث غيرُ السابق إِلى الفهم من ظاهره ، لأَنه ، عليه السلام ، إِنما نَدَبَ إِلى الزُّهْد في الدنيا ، والتقليل منها ، ومِن الانهماك فيها ، والاستمتاع بلذاتها ، وهو الغالب على أَوامره ونواهيه ، صلى الله عليه وسلم ، فيما يتعلق بالدنيا ، فكيف يَحُثُّ على عِمارتها والاستكثار منها ؟ وإِنما أَراد ، والله أَعلم ، أَن الإِنسان إِذا علم أَنه يعيش أَبداً ، قَلَّ حِرْصُه ، وعلم أَن ما يريده لا يَفُوته تَحْصِيلُه بترك الحِرْص عليه والمُبادرةِ إِليه ، فإِنه يقول : إِن فاتني اليومَ أَدركته غَداً ، فإِني أَعيش أَبداً ، فقال عليه السلام : اعْمَلْ عَمَلَ من يَظُنُّ أَنه يُخَلَّد ، فلا تَحْرِصْ في العمل ؛ فيكون حَثّاً على الترك ، والتقليل بطريق أَنيقةٍ من الإِشارة والتنبيه ، ويكون أَمره لعمل الآخرة على ظاهره ، فيَجْمَع بالأَمرين حالةً واحدةً ، وهو الزهدُ والتقليل ، لكن بلفظين مختلفين ؛ قال : وقد اختصر الأَزهري هذا المعنى فقال : معنى هذا الحديث تقديمُ أَمر الآخرة وأَعمالها ، حِذارَ الموت بالفَوْت ، على عَمل الدنيا ، وتأْخيرُ أَمر الدنيا ، كراهيةَ الاشْتغال بها عن عمل الآخرة . والحَرْثُ : كَسْبُ المال وجَمْعُه . والمرأَةُ حَرْثُ الرجل أَي يكون وَلَدُه منها ، كأَنه يَحْرُثُ ليَزْرَعَ وفي التنزيل العزيز : نساؤُكم حَرْثٌ لكم ، فأْتُوا حَرْثَكم أَنَّى شِئْتم . قال الزجاج : زعم أَبو عبيدة أَنه كناية ؛ قال : والقول عندي فيه أَن معنى حَرْثٌ لكم : فيهنَّ تَحْرُثُون الوَلَد واللِّدَة ، فأْتُوا حَرْثَكم أَنَّى شِئْتُم أَي ائْتُوا مواضعَ حَرْثِكم ، كيف شِئْتُم ، مُقْبِلةً ومُدْبرةً . الأَزهري : حَرَثَ الرجلُ إِذا جَمَع بين أَربع نسوة . وحَرَثَ أَيضاً إِذا تَفَقَّه وفَتَّشَ . وحَرَثَ إِذا اكْتَسَبَ لعياله واجْتَهَدَ لهم ،
يقال : هو يَحْرُث لعياله ويَحْتَرثُ أَي يَكْتَسِب . ابن الأَعرابي : الحَرْثُ الجماع الكثير . وحَرْثُ الرجل : امرأَتُه ؛
وأَنشد المُبَرّد : إِذا أَكلَ الجَرادُ حُروثَ قَوْمٍ ، فَحَرْثي هَمُّه أَكلُ الجَرادِ والحَرْثُ : مَتاعُ الدنيا . وفي التنزيل العزيز : من كانَ يُريد حَرْثَ الدنيا ؛ أَي من كان يريد كَسْبَ الدنيا . والحَرْثُ : الثَّوابُ والنَّصِيبُ . وفي التنزيل العزيز : من كان يُريدُ حَرْثَ الآخرة نَزِدْ له في حَرْثه . وحَرَثْتُ النار : حَرَّكْتها . والمِحْراثُ : خَشبة تُحَرَّك بها النارُ في التَّنُّور . والحَرْثُ : إِشْعالُ النار ، ومِحْراثُ النار : مِسْحَاتُها التي تُحَرَّك بها النار . ومِحْراثُ الحَرْب : ما يُهَيِّجها . وحَرَثَ الأَمْرَ : تَذَكَّره واهْتاجَ له ؛ قال رؤْبة : والقَوْلُ مَنْسِيٌّ إِذا لم يُحْرَثِ والحَرَّاثُ : الكثير الأَكل ؛ عن ابن الأَعرابي . وحَرَثَ الإِبلَ والخَيْلَ ، وأَحرَثَها : أَهْزَلها . وحَرَثَ ناقتَه حَرْثاً وأَحْرَثَها إِذا سار عليها حتى تُهْزَلَ . وفي حديث بَدْرٍ : اخْرُجُوا إِلى مَعايشكم وحَرائِثكم ، واحدُها حَريثةٌ ؛ قال الخطابي : الحَرائِثُ أَنْضاءُ الإِبل ؛ قال : وأَصله في الخيل إِذا هُزِلَتْ ، فاستعير للإِبل ؛ قال : وإِنما يقال في الإِبل أَحْرَفْناها ، بالفاء ؛ يقال : ناقة حَرْفٌ أَي هَزيلةٌ ؛ قال : وقد يراد بالحرائثِ المَكاسِبُ ، من الاحْتراثِ الاكتساب ؛ ويروى حَرَائبكم ، بالحاء والباء الموحدة ، جمعُ حَريبةٍ ، وهو مالُ الرجل الذي يقوم بأَمره ، وقد تقدَّم ، والمعروف بالثاء . وفي حديث معاوية أَنه ، قال للأَنصار : ما فَعَلَتْ نواضِحُكم ؟، قالوا : حَرَثْناها يوم بَدْرٍ ؛ أَي أَهْزَلناها ؛ يقال : حَرَثْتُ الدابةَ وأَحْرَثْتُها أَي أَهْزَلْتها ، قال ابن الأَثير : وهذا يخالف قول الخطابي ، وأَراد معاوية بذكر النَّواضِح تَقْريعاً لهم وتعريضاً ، لأَنهم كانوا أَهل زَرْع وسَقْيٍ ، فأَجابوه بما أَسْكتَه ، تعريضاً بقتل أَشياخه يوم بَدْر . الأَزهري : أَرض مَحْروثة ومُحْرَثة : وَطِئَها الناسُ حتى أَحْرَثُوها وحَرَثُوها ، ووُطِئَتْ حتى أَثاروها ، وهو فسادٌ إِذا وُطِئَتْ ، فهي مُحْرَثة ومَحْروثة تُقْلَبُ للزَرْع ، وكلاهما يقال بَعْدُ . والحَرْثُ : المَحَجَّةُ المَكْدُودة بالحوافر . والحُرْثةُ : الفُرضةُ التي في طَرَف القَوْس للوَتر . ويقال : هو حَرْثُ القَوْسِ والكُظْرة ، وهو فُرْضٌ ، وهي من القوس حَرْثٌ . وقد حَرَثْتُ القَوسَ أَحْرُثُها إِذا هيَّأْتَ مَوْضِعاً لعُرْوة الوَتَر ؛ قال : والزَّنْدة تُحْرَثُ ثم تُكْظَرُ بعد الحَرْثِ ، فهو حَرْثٌ ما لم يُنْفَذ ، فإِذا أُنْفِذَ ، فهو كُظْر . ابن سيده : والحَرَاثُ مَجْرى الوَتَر في القوس ، وجمعه أَحْرِثة . ويقال : احْرُثِ القرآن أَي ادْرُسْه وحَرَثْتُ القرآن أَحْرُثُه إِذا أَطَلْتَ دِراستَه وتَدَبَّرْتَه . والحَرْثُ : تَفْتِيشُ الكتاب وتَدبُّره ؛ ومنه حديث عبد الله : احْرُثُوا هذا القرآن أَي فَتِّشُوه وثَوِّروه . والحَرْثُ : التَّفْتِيش . والحُرْثَةُ : ما بين مُنْتَهى الكَمَرة ومَجْرَى الخِتان . والحُرْثَة أَيضاً : المَنْبِتُ ، عن ثعلب ؛ الأَزهري : الحَرْثُ أَصلُ جُرْدانِ الحمار ؛ والحِرَاثُ : السَّهم قبل أَن يُراش ، والجمع أَحْرِثة ؛ الأَزهري الحُرْثة : عِرقٌ في أَصل أُدافِ الرَّجل . والحارِثُ : اسم ؛ قال سيبويه :، قال الخليل إِن الذين ، قالوا الحَرث ، إِنما أَرادوا أَن يجعلوا الرجل هو الشيء بعينه ، ولم يجعلوه سمي به ، ولكنهم جعلوه كأَنه وَصفٌ له غَلَب عليه ؛ قال : ومن ، قال حارِثٌ ، بغير أَلف ولام ، فهو يُجْريه مُجْرى زيدٍ ، وقد ذكرنا مثل ذلك في الحسن اسم رجل ؛ قال ابن جني : إِنما تَعَرَّفَ الحَرثُ ونحوُه من الأَوْصاف الغالبة بالوَضْع دون اللام ، وإِنما أُقِرَّتِ اللامُ فيها بعد النَّقْل وكونها أَعلاماً ، مراعاة لمذهب الوصف فيها قبل النقل ، وجمع الأَول : الحُرَّثُ والحُرَّاثُ ، وجمع حارِث حُرَّثٌ وحَوارِثُ ؛ قال سيبويه : ومن ، قال حارث ، قال في جمعه : حَوارِث ، حيث كان اسماً خاصًّا ، كزَيْد ، فافهم . وحُوَيْرِثٌ ، وحُرَيثٌ وحُرْثانُ ، وحارِثةُ ، وحَرَّاثٌ ، ومُحَرَّثٌ : أَسماءٌ ؛ قال ابن الأَعرابي : هو اسم جَدِّ صَفْوانَ بن أُمية بن مُحَرَّثٍ ، وصَفوانُ هذا أَحدُ حُكَّامِ كِنانَة ، وأَبو الحارث : كنيةُ الأَسَد . والحارثُ : قُلَّة من قُلَلِ الجَوْلانِ ، وهو جبل بالشأْم في قول النابغة الذبْياني يَرْثِي النُّعمان ابن المنذر : بكَى حارِثُ الجَوْلانِ من فَقْدِ رَبِّه ، وحَوْرانُ منه خائفٌ مُتضَائِلُ قوله : من فَقْد رَبِّه ، يعني النعمان ؛ قال ابن بري وقوله : وحَوْرانُ منه خائفٌ مُتَضائل كقول جرير : لمّا أَتَى خَبَرُ الزُّبَيْرِ ، تَوَاضَعَتْ سُورُ المدينة ، والجِبالُ الخُشَّعُ والحارثان : الحارثُ بن ظالم بن حَذيمةَ بن يَرْبُوع بن غَيْظِ بنِ مُرَّة ، والحارثُ بن عوفِ بن أَبي حارثة ابن مُرَّة بن نُشْبَة بن غَيْظِ بنِ مرَّة ، صاحب الحَمَالة . قال ابن بري : ذكر الجوهري في الحارثين الحارِثَ بن ظالم بن حَذيمة بالحاء غير المعجمة . ابن يَرْبُوع ، قال : والمعروف عند أَهل اللغة جَذيمة ، بالجيم . والحارِثان في باهلة : الحارِثُ بن قُتَيْبة ، والحارثُ بن سَهْم بن عَمْرو بن ثعلبة بن غَنْم بن قُتَيْبة . وقولهم : بَلْحَرث ، لبَني الحرث بن كَعْب ، مِن شواذِّ الإِدغام ، لأَن ال نون واللام قريبا المَخْرَج ، فلما لم يمكنهم الإِدغامُ بسكون اللام ، حذفوا النون كما ، قالوا : مَسْتُ وظَلْتُ ، وكذلك يفعلون بكل قبيلة تَظْهَر فيها لام المعرفة ، مثل بَلْعنبر وبَلْهُجَيم ، فأَما إِذا لم تَظْهَر اللامُ ، فلا يكون ذلك . وفي الحديث : وعليه خَمِيصَةٌ حُرَيْثِيَّة ؛ قال ابن الأَثير : هكذا جاءَ في بعض طُرُق البخاري ومسلم ؛ قيل : هي منسوبة إلى حُرَيْثٍ ، رجلٍ من قُضاعة ؛ قال : والمعروف جُونِيَّةٌ ، وهو مذكور في موضعه . "