تِسْعَةُ رِجَالٍ في العَدَد المُذَكَّر وتِسْعُ نِسْوَةٍ في العَدَدِ المُؤَنَّثِ مَعْرُوفٌ . وقَوْلُهُ تَعَالَى : " ولَقَدْ آتَيْنَا مُوَسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيَّناتٍ " هي : أَخْذُ آلِ فِرْعَوْنَ بالسِّنِينَ وإِخْرَاجُ مُوسَى عَلَيْه السّلامُ يَدَهُ بَيْضَاءَ والعَصَا والطُّوفانُ والجَرَادُ والقُمَّلُ والضَّفَادِعُ والدَّمُ وانْفِلاقُ البَحْرِ . وقَدْ جَمَعَ ذلِكَ المُصَنِّفُ في بَيْتٍ واحدٍ فقال :
عَصاً سَنَةٌ بَحْرٌ جَرَادٌ وقُمَّلٌ ... دَمٌ ويَدٌ بَعْدَ الضَّفادِعِ طُوفانُ وقَدْ ضَمَّنْتُه بِبَيْتٍ آخَرَ فقُلْتُ :
" آياتُ مُوسَى الكَلِيمِ التِّسْعُ يَجْمَعُهَابَيْتٌ فَرِيدٌ لَهُ في السَّبْك عُنْوَانُ عَصاً سَنة ...إِلى آخِرِه . أَمَّا العَصَا فَفِي قَوْلِه تَعَالَى : " فَألْقَى عَصَاهُ فإِذا هِيَ ثُعْبَانٌ مِبِين " وأَمَّا السَّنَةُ ففي قَوْلِه تَعالَى : " ولَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بالسِّنِينَ " وهو الجَدْبُ حَتَّى ذَهَبَتَ ثِمَارُهُمْ وذَهَبَ من أَهْلِ البَوَادِي مَوَاشِيهِم وكَذا بَقِيَّةُ الآيَاتِ وكُلُّهَا مَذْكُورَةٌ في القُرْآنِ قال شَيْخُنَا : وقَدْ نَظَمَها البَدْرَ بنُ جَمَاعَةَ أَيْضاً فِي قَوْلِه :
" آيَاتُ مُوسَى الكَلِيمِ التّسعُ يَجْمَعُهَابَيْتٌ عَلَى إِثْرِ هذَا البَيْتِ مَسْطُورُ
عَصاً يدٌ وَجرادٌ قُمَّلٌ ودَمٌ ... ضَفَادِعٌ حَجَرٌ والبَحْرُ والطُّورُ وقَالَ : وبَيْنَهُ مع بَيْتِ المُصَنِّف اتّفَاقٌ واخْتِلافٌ وجَعَلَهَا الزَّمَخْشَرِيّ إِحْدَى عَشْرَةَ آيَةً : فزاد الطَّمْسَةَ والنُّقْصَانَ في مَزَارِعِهِم وعِبَارَتُه : لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : كانَتِ الآيَاتُ إِحْدَى عَشرَةَ : ثِنْتَانِ منها اليَدُ والعَصَا والتَّسْعُ : الفَلقُ والطُّوفانُ والجَرَادُ والقُمَّلُ والضّفادِعُ والدَّمُ والطَّمْسُ والجَدْبُ في بَوادِيهِمْ والنَّقْصُ من مَزَارِعِهِم . انْتَهَى ولَمْ يَذْكُرِ الجَوَابَ . وقَوْلُه في النَّظْمِ : حَجَرٌ يُرِيدُ به انْفِجَارَهُ وقد ذَكَرَهُ صاحِبُ اللِّسَانِ أَيْضاً
قال شَيْخُنَا : ثُمَّ إِنَّ المُصَنِّف أَطْلَق في التِّسْعِ اعْتِمَاداً على الشُّهْرَة بالكَسْرِ فَلِمْ يَحْتَج إِلَى ضَبْطِهَا وفي سُورَةِ ص " تَسْعٌ وتسْعُون " بفَتْح التَّاءِ وكَأَنِّهُم لَمَّا جاوَرَ التِّسْعُ الثَّمانَ والعَشْرَ قَصَدُوا مُنَاسَبتَه لِمَا فَوْقَه ولِمَا تَحْتَهُ فتَأَمَّلْ . والتِّسْع أَيْضاً أَي بالكَسْرِ : ظِمْءٌ من أَظْمَاءِ الإِبِلِ وهو أَنْ تَرِدَ إِلَى تِسْعَةِ أَيّامٍ والإِبِلُ تَوَاسِعُ . والتُّسْعُ بالضَّمِّ : جُزْءٌ من تِسْعَةٍ كالتَّسِيعِ كأَمِيرٍ يَطَّرِدُ في جَمِيعِ هذِه الكُسُورِ عنْدَ بَعْضِهِم . قَالَ شَمِرٌ : ولَمْ أَسْمَعْ : التَّسِيع إِلاَّ لأَبِي زَيْدٍ . قُلْتُ : إِلاَّ الثَّلِيث . فإِنَّهُ لَمْ يُسْمَع كما نَقَلَهُ الشَّرَفُ الدِّمْيَاطِيّ في المُعْجَمِ عن ابنِ الأَنْبَارِيّ قَالَ : فَمَنْ تَكَلَّم به أَخْطأَ وقد تَقَدَّمَت الإِشَارَةُ إِلَيْه في ث ل ث
والتُّسَعُ كصُرَدٍ : اللَّيْلَةُ السَّابِعَةُ والثامِنَةُ والتّاسِعَةُ من الشَّهْرِ وهي بَعْدَ النُّفَلَ لأَنَّ آخِرَ لَيْلَةِ منها هي التاسعة وقيل : هي اللَّيّالِي الثَّلاثُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ والأَوَّلُ أَقْيَسُ
وقال الأَزْهَرِيّ : العَرَبُ تَقُول في لَيالِي الشَّهْرِ : ثَلاثٌ غُرَرٌ وبَعْدَهَا ثَلاثٌ نُفَلٌ وبَعْدَهَا ثَلاثٌ تَسَعٌ سُمِّينَ تُسَعاً لأَنَّ آخِرَتَهُنَّ اللَّيْلَةُ التاسِعَةُ كما قِيلَ لِثَلاثٍ بَعْدَهَا : ثَلاثٌ عُشَرٌ لأَنَّ بَادِئَتَها اللَّيْلَةُ العاشِرَةُ . والتّاسُوعاءُ : اليَوْمُ التاسِعُ من المُحَرَّمِ وفي الصّحاح : قَبْلَ يَوْمِ عَاشُوراءَ مُوَلَّدٌ ونَصُّ الصّحاح : وأَظُنُّه مُوَلَّداً . وقالَ غَيْرُه : هو يَوْمُ عاشُورَاءَ . وقال الأَزْهَرِيُّ في قَوْله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ فِيما رَواهُ عَنْهُ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا : لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ يَعْنِي يَوْمَ عاشُوراءَ كأَنَّهُ تَأَوَّلَ فيه عِشْرَ الوِرْدِ أَنَّهَا تِسْعَةُ أَيّامٍ والعَرَبُ تَقُولُ : وَرَدْتُ الماءُ عِشْراً يَعْنُونَ يَوْمَ التَّاسِعِ ومِنْ ها هُنا قالُوا : عِشْرِين ولم يَقُولُوا عِشْرِيْنِ لأَنَّهم جَعَلُوا ثَمانِيةَ عَشَرَ يَوْماً عِشْرَين واليَوْمَ التَّاسِعَ عَشَرَ والمُكَمِّلَ عِشْرِينَ طائفةً من الوِرْدِ الثّالِثِ فَجَمَعُوهُ بِذلِكَوقال ابنُ بَرِّيّ : لا أَحْسَبُهَم سَمَّوْا عَاشُوراءَ تاسُوعاءَ إِلاَّ عَلَى الأَظْماءِ نَحْوَ العِشْر لأَنَّ الإِبِلَ تَشْرَبُ في اليَوْمِ التّاسِعِ كَذلِكَ الخِمْسُ تَشْرَبُ في اليَوْمِ الرّابِعِ . وقالَ ابنُ الأَثِيرِ : إِنَّمَا قالَ ذلِكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّمَ كَرَاهَةً لِمُوَافَقَةِ اليَهُودِ فإِنَّهُمْ كانُوا يَصُومُونَ عاشُوراءَ وهو العَاشِرُ فأَرَادَ أَنْ يُخَالِفَهُمْ ويَصُومَ التّاسِعَ قال : وظاهِرُ الحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى خِلافِ ما ذَكَرَهُ الأَزْهَرِيّ
قُلتُ : وقد صَحَّحَ الصّاغَانِيُّ هذا القَوْلَ . والمُرَادُ بظَاهِرِ الحَدِيثِ يَعْنِي حَدِيثَ ابنِ عَبّاسٍ المَذْكُورَ أَنَّه قالَ حِينَ صامَ رِسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّمَ يَوْمَ عاشُورَاءَ وأَمَرَ بصِيَامِهِ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّه يَوْمٌ تُعَظِّمُه اليَهُودُ والنَّصَارَى فَقَالَ : فإِذا كانَ العام القابِلُ صُمْنا اليَوْمَ التاسِعَ وفِي رِوَايةٍ : إِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ تاسُوعاءَ أَي فكَيْفَ يَعِدُ بصَوْمِ يَوْمٍ قد كَانَ يَصُومُه . فَتَأَمَّلْ
وقَوْلُ الجَوْهَرِيِّ وغَيْرِه : إِنَّه مُولَّدٌ فيه نَظَرٌ فإِنّ المُوَلَّدَ هو اللَّفْظُ الَّذِي يَنْطِقُ به غَيْرُ العَرَبِ من المُحْدَثِينَ وهذِه لَفْظَةٌ وَرَدَتْ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ وقالَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّمَ الَّذِي هو أَفْصَحُ الخَلْقِ وأَعْرَفُهُمْ بِأَنْوَاعِ الكَلامِ بوَحْيٍ مِن اللهِ الحَقِّ فَأَنَّى يُتَصَوَّرُ فِيها التَّوْلِيدُ أَوْ يَلْحَقُهَا التَّفْنِيدُ ؟ كما حَقّقَه شَيْخُنَا وأَشَرْنَا إِلَيْه في مُقَدّمة الكِتَابِ . وتَسَعَهُمْ كمَنَع وضَرَبَ الأخِيرَةُ عن يُونُسَ وعلَى الأُولَى اقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ : أَخَذَ تُسْعَ أَمْوَالِهِمْ أَوْ كانَ تاسِعَهُمْ . ذَكَرَ الجَوْهَرِيُّ المَعْنَيَيْنِ أَوْ تَقُولُ : كانَ القَوْمُ ثَمَانِيَةً فتَسَعَهُمْ أَيْ صَيَّرَهُمْ تِسْعَةً بنَفْسهِ أَوْ كَانَ تَاسِعَهُمْ فَهُوَ تاسِعُ تِسْعِةٍ وتَاسِعُ ثَمَانِيَةٍ ولا يَجَوزُ أَنْ يُقَالَ : هو تاسِعٌ تِسْعَةً ولا رَابِعٌ أَرْبَعَةً إِنَّمَا يُقَال : رَابِعُ أَرْبَعَةٍ على الإِضَافَةِ ولكِنَّكَ تَقُولُ : رَابِعٌ ثَلاثةً هذا قَوْلُ الفَرّاءِ وغَيْرِهِ من الحُذَّاقِ
وأَتْسَعُوا : كانُوا ثَمَانِيَةً فصارُوا تِسْعَةً نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ وأَيْضاً : وَرَدَتْ إِبِلْهُمْ تِسْعاً نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ أَيْضاً أَيْ وَرَدَتْ لتِسْعَةِ أَيّامٍ وثَمَانِي لَيَالٍ فهم مُتْسِعُونَ
وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه : قَوْلُهم : تِسْعَ عَشَرَةَ مَفْتُوحَانِ عَلَى كُلِّ حال لأَنَّهُمَا اسْمَانِ جُعِلاَ اسْماً وَاحِداً فأُعْطِيَا إِعْرَاباً وَاحِداً غَيْرَ أَنَّكَ تَقُولُ : تِسْعَ عَشَرَةَ امْرَأَةً وتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً : قال اللهُ تَعَالَى : " عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ " أَي تِسْعَةَ عَشَرَ مَلَكاً وأَكْثَرُ القُرَّاءِ عَلَى هذِه القِراءَةِ وقَدْ قُرِئَ : تِسْعَةَ عْشَرَ بسُكُونِ العَيْنِ وإِنّما أَسْكَنَهَا مَنْ أَسْكَنَهَا لِكثْرَةِ الحَرَكاتِ . وقَوْلُهم : تِسْعَةُ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَانِيَةَ فَلا تُصْرَفُ إِلاَّ إِذا أَرَدْتَ قَدْرَ العَدَدِ لا نَفْسَ المَعْدُودِ فإِنَّما ذلِكَ لأَنَّها تُصَيِّرُ هذا اللَّفْظَ عَلَماً لهذا المَعْنَى
وحَبْلٌ مَتْسُوعٌ : عَلَى تِسْعِ قُوىً . ونَقَلَ الأَزْهَرِيُّ عن اللَّيْثِ : رَجُلٌ مُتَّسِعٌ وهو المُنْكَمِشُ الماضِي في أَمْرِهِ . قال الأَزْهَرِيّ : ولا أَعْرفُ ما قَالَ إِلاَّ أَنْ يَكُون مُفْتَعِلاً من السَّعَةِ وإِذا كانَ كَذلِكَ فَلَيْسَ مِنْ هذا البابِ قالَ الصّاغَانِيّ : لَمْ يَقُل اللَّيْثُ شَيْئاً في هذا التَّرْكِيبِ وإِنَّمَا ذَكَرَهُ في تَرْكِيبِ س ت ع : رَجُلٌ مِسْتَعٌ : لُغَةٌ في مِسْدَع فانْقَلَبَ علَى الأَزْهَرِيّقُلْتُ : وهذا الَّذِي رَدَّ به علَى الأَزهَرِيّ فإِنَّهُ ذَكَرَهُ في كتابِهِ فِيما بَعْدُ فإِنَّهُ قالَ : وفي نُسْخَةٍ من كتَابِ اللَّيْثُ : مِسْتَعٌ ويُقَالُ : مِسْدَعٌ لُغَةٌ وهُوَ المُنْكَمِشُ الماضِي في أَمْرِهِ . ورَجُلٌ مِسْتَعٌ : سَرِيعٌ . فتَأَمَّلْ ذلِكَ