الوَرَعُ مُحَرَّكَةً : التَّقْوَى والتَّحَرُّجُ والكَفُّ عن المَحَارِمِ وقد وَرِعَ الرَّجُلُ كوَرِثَ هذه هي اللغَةُ المَشْهُورَةُ الّتِي اقْتَصَرَ عليْهَا الجَمَاهِيرُ واعْتَمَدَها الشَّيْخُ ابنُ مالِكٍ وغَيْرُه وأقَرَّه شُرّاحُه في التَّسْهِيلِ ومَشَى عليْه ابنْهُ في شَرْحِ اللامِيَّةِ ووَجِلَ وهذهِ عنِ اللِّحْيَانِيِّ ووَضَعَ وهذهِ عنْ سِيَبَوَيْهِ وحَكَاهَا عن العَرَبِ على القِياسِ فهو ممّا جاءَ بالوَجْهَيْنِ وهُوَ مُسْتَدْرَكٌ على ابْنِ مالِكٍ وكَرُمَ يَرِعُ ويَوْرَعُ ويَرَعُ ويَوْرُعُ ورَاعَةً ووَرْعاً بالفَتْحِ ويُضَمُّ أي : تَحَرَّجَ وتَوَقَّى عنِ المَحَارِمِ وأصْلُ الوَرَعِ : الكَفُّ عن المَحَارِمِ ثم استُعِيرَ للكَفِّ عن الحَلالِ والمُباحِ
والاسْمُ : الرِّعَةُ والرِّيعَةُ بكَسْرِهِمَا الأخِيرَةُ على القَلْبِ كما في المُحْكَم يُقَالُ : فُلانٌ سَيِّيءُ الرِّعَةِ أي : قَلِيلُ الوَرَعِ كما في العُبابِ
وفي النِّهَايَةِ : وَرِعَ يرِعُ رِعَةً مِثْلُ : وَثِقَ يَثِقُ ثِقَةً وهُوَ وَرِعٌ ككَتِفٍ أي مُتَّقٍ ونَقَلَه الجَوْهَرِيُّ أيْضاً واقْتَصَرَ على وَرِعَ كوَرِثَ
والوَرَعُ بالتَّحْرِيكِ أيْضاً : الجَبَانُ قالَ اللَّيْثُ : سُمِّيَ بهِ لإحْجَامِه ونُكُوصِهِ ومِثْلُه قَوْلُ ابنِ دُرَيدٍ قالَ ذو الإصْبَعِ العَدْوَانِيُّ :
إنْ تَزْعُمَا أنَّنِي كَبِرْتُ فلَمْ ... أُلْفَ بَخِيلاً نِكْساً ولا وَرَعا وقالَ الأعْشَى :
أنْضَيْتُها بَعْدَما طَالَ الهِبَابُ بها ... تَؤُمُّ هَوْذَةَ لا نِكْساً ولا وَرَعَا وفي الصِّحاحِ : قالَ ابنُ السِّكِّيتِ : وأصْحَابنا يذْهَبُونَ بالوَرَعِ إلى الجَبَانِ ولَيْسَ كذلكَ وإنَّما الوَرَعُ : الصَّغِيرُ الضَّعِيفُ الّذِي لا غَناءَ عِنْدَه وقيلَ : هُوَ الصَّغِيرُ الضَّعِيفُ منَ المالِ وغَيْرِه كالرَّأْيِ والعَقْلِ والبَدَنِ فعَمَّهُ
قلتُ : ويَشْهَدُ لما ذهَبَ إليْهِ اللَّيثُ وابْنُ دُريْدٍ قَوْلَ الرّاجِزِ :
" لا هَيَّبَانٌ قَلْبُهُ مَنّانُ
" ولا نَخِيبٌ وَرَعٌ جَبانُ فهذهِ كُلُّها منْ صِفَات الجَبَانِ الفِعْلُ منْهَما أي : من الجَبَانِ والصَّغِيرِ : وَرَعَ كوَضَعَ وكَرُمَ وعلى الأخِيرِ اقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ والصّاغَانِيُّ وفي اللِّسانِ : وأُرَى يَرَعُ بالفَتْحِ لُغَةً فيهِ إشارَةً إلى أنَّهُ كوَضَعَ الّذِي قَدَّمَه المُصَنِّف
وفاتَه : وَرِعَ يَرِعُ كوَرِثَ يَرِثُ حَكاهُ ثَعْلَبٌ عن يَعْقُوبَ هُنَا كما في اللِّسانِ ورَاعَةً ووَرَاعاً وَوَرْعَةً بالفَتْحِ في الكُلِّ ويُضَمُّ . الأخِيرُ ووُرُوعاً كقُعُودٍ ووُرْعاً بالضَّمِّ وبضَمَّتَيْنِ واقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ على وُرُوعٍ كقُعُودٍ وعلى وُرْع بالضَّمِّ ووَرَاعَةٍ
وفَاتَهُ : الوُرُوعَةُ بالضَّمِّ نَقَلَه ابنُ دُرَيدٍ في قَوْلِه : رَجُلٌ وَرَعٌ بَيِّنُ الوُرُوعَةِ أي : جَبانٌ وفاتَه أيْضاً : وَرَعاً مُحَرَّكَةً نَقَلَه ثَعْلَبٌ والوَراعَةُ يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ مَصْدَرَ وَرُعَ ككَرُمَ كَرامَةً أو وَرِعَ كوَرِثَ وِراثَةً وكِلاهُمَا صحِيحٌ في القِيَاسِ والاسْتِعْمَالِ أي : جَبُنَ وصَغُرَ وضَعُفَ
والرِّعَةُ بالكَسْرِ : الهَدْيُ وحُسْنُ الهَيْئَةِ أو سُوءُهَا قالَهُ الأصْمَعِيُّ وهُوَ ضِدٌّ وفي حديثِ الحَسَنِ البَصري : ازْدَحَمُوا علَيْهِ فرَأى مِنْهُمْ رِعَةً سَيِّئَةً فقالَ : اللَّهُمَّ إليْكَ يُرِيدُ بالرِّعَةِ هُنَا : الاحْتِشَامَ والكَفَّ عنْ سُوءِ الأدَبِ أي : لَمْ يُحْسِنوا ذلكَ وفي حديثِ الدُّعَاءِ : وأعِذْنِي منْ سُوءِ الرِّعَةِ أي : منْ سُوءِ الكَفِّ عَمّا لا يَنْبَغِي
والرِّعَةُ : الشَّأْنُ والأمْرُ والأدَبُ يُقَالُ : هُمْ حَسَنٌ رِعَتُهُمْ بهذا المَعْنَى وأنْشَدَ ثَعْلَبٌ :
" رِعَةَ الأحْمَقِ يَرْضَى ما صَنَعْ وفَسَّرَهُ فقال : رِعَةُ الأحْمَقِ : حالَتُه الّتِي يَرْضَى بِها
ويُقَالُ : مالُهُ أوْرَاعٌ أي : صِغارٌ جَمْعُ وَرَعٍ بالتَّحْرِيكِ وهوَ منْ بَقِيَّةِ قَوْلِ ابْنِ السِّكِّيتِ الّذِي نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ والفِعْلُ : وَرُعَ : ككَرُمَ وَراعَةً ووُرْعاً ووُرُوعاً بضَمِّهِمَا
قلتُ : وهذا تَكْرارٌ معَ ما سَبَقَ لهُ لأنَّ مُرَادَه أنَّ الفِعْلَ منْ قَوْلِهِم : مالَهُ أوْرَاعٌ وهو جَمْعُ وَرَعٍ للضَّعِيفِ الصَّغِيرِ وقَدْ وَرُعَ وهذا قَدْ تَقَدَّمَ فتأمَّلْ
ووَرِعَ كوَرِثَ : كَفَّ ومِنْهُ الحديثُ : وبَنَهْيه يَرِعُونَ أي يَكُفُّونَ وفي حديثٍ آخَرَ : وإذا أشْفَى وَرِعَ أي : إذا أشْرَفَ على مَعْصِيَةٍ كَفَّ وهذا أيْضاً قد تَقَدَّمَ في أوَّلِ المادَّةِ إذ المُرَادُ بالتَّقْوَى هُوَ الكَفُّ عنِ المَحارِمِ فتأمَّلْ ذلك
والوَرِيعُ كأمِيرٍ : الكافُّ نَقَلَه الصّاغَانِيُّ
والوَرِيعَةُ بهاءٍ : فَرَسٌ للأحْوَصِ بنِ عَمْروٍ الكَلْبِيِّ وهَبَها لمالِكِ بنِ نُوَيْرَةَ التَّمِيميِّ رضي الله عنه وكانَتْ فَرَسَه نِصابُ قدْ عُقِرَتْ تَحْتَه فحَمَلَه الأحْوَصُ على الوَرِيعَةِ فقالَ مالِكٌ يَشْكُرُه :
ورُدَّ نَزِيلَنا بعَطاءِ صِدْقٍ ... وأعْقِبْهُ الوَرِيعَةَ منْ نِصابِ وأنْشَدَهُ المازِنِيُّ فقال : ورُدَّ خَلِيلَنا
والوَرِيعَةُ : ع قيلَ : حَزْمٌ لبَنِي فُقَيْم قالَ جَرِيرٌ :
أيُقيمُ أهْلُكِ بالسِّتَارِ وأصْعَدَتْ ... بَيْنَ الوَرِيعَةِ والمَقَادِ حُمُولُ وقالَ المُرَقِّشُ الأصْغَرُ يَصِفُ الظُّعْنَ :
" تَحَمَّلْنَ منْ جَوِّ الوَرِيعَةِ بَعْدَمَاتعالى النَّهَارُ واجْتَزَعْنَ الصَّرائِمَا وأوْرَعَ بَيْنَهُمَا إيراعاً : حَجَزَ وكَفَّ لُغَةٌ في وَرَّعَ تَوْرِيعاً عن ابنِ الأعْرَابِيِّ
ووَرَّعَهُ عن الشَّيءِ تَوْرِيعاً : كَفَّهُ عنْهُ ومنه حديثُ عُمَرَ رضي الله عنه : وَرِّعِ اللِّصَّ ولا تُراعِهِ أي : إذا رَأيْتَه في مَنْزِلِكَ فادْفَعْهُ واكْفُفْهُ ولا تَنْظُرْ ما يَكُونُ منه كما في الصِّحاحِ
وفَسَّرَه ثعلبٌ فقال : يقول : إذا شَعَرْتَ به في مَنْزِلَكِ فادْفَعْهُ واكْفُفْهُ عن أخْذِ مَتاعِكَ ولا تُراعِهِ أي : لا تُشْهِدْ عليهِ وقيلَ : مَعْناهُ : رُدَّهُ بتَعَرُّضٍ لَهُ وتَنْبِيهٍ وقالَ أبو عُبَيدٍ : ولا تُرَاعِهِ أي : لا تَنْتَظِرْ فيهِ شَيئاً وكُلُّ شَيءٍ تَنْتَظِرُه فأنْتَ تُرَاعِيهِ وتَرْعاهُ وكُلُّ شَيءٍ كَفَفْتَه فقَدْ وَرَّعْتَهُ وفي حديثِ عُمَرَ قالَ للسّائِبِ : وَرِّعْ عَنِّ ] في الدِّرْهَمِ والدِّرْهَمَيْنِ أي : كُفَّ عَنِّي الخُصُومَ أنْ تَقْضِيَ وتَنُوبَ عَنِّي في ذلكَووَرَّعَ الإبِلَ عنِ الماءِ : رَدَّهَا فارْتَدَّتْ قالَ الرّاعِي :
" يَقُولُ الّذِي يَرْجُو البَقِيَّةَ وَرِّعُواعنِ الماءِ لا يُطْرَقْ وهُنَّ طَوارِقُهْ ومُحاضِرُ بنُ المُوَرِّعِ كمُحَدِّثٍ : مُحَدِّثٌ قالَ الذَّهَبِيُّ : مُسْتَقِيمُ الحَديثِ لا مُنْكَرَ لهُ ولكنْ قالَ أحْمَدُ بنُ حَنْبَلَ : كانَ مُغَفَّلاً جِدّاً لمْ يَكُنْ منْ أصْحَابِ الحديثِ وقالَ أبو حاتِمٍ : لَيْسَ بالمَتِينِ وقالَ أبو زُرْعَةَ : صَدُوقٌ وقدْ ذَكَرْنَا في حضر شَيئاً من ذلكَ
والمُوارَعَةُ : المُناطَقَةُ والمُكَالَمَةُ نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ وأنْشَدَ لحَسّإن رضي الله عنه :
نَشَدْتُ بَنِي النَّجَارِ أفْعَالَ والِدٍ ... إذا العانِ لمْ يُوجَدْ لَهُ منْ يُوَارِعُهْ ويُرْوَى يُوَازِعُه بالزايِ
والمُوَارَعَةُ أيْضاً : المُشَاوَرَةُ وبه فُسِّرَ الحديثُ : كانَ أبو بَكْرٍ وعُمَرُ يُوَارِعَانِ عَليّاً رضي الله عنهم أي : يَسْتَشِيرانِهِ كما في العُبابِ والنِّهايَةِ وأصْلُه منَ المُنَاطَقَةِ والمُكَالَمَةِ
وتَوَرَّعَ الرَّجُلُ منْ كذا أي : تَحَرَّجَ منْهُ وأصْلُه في المَحَارِمِ ثم اسْتُعِيرَ للكَفِّ عنِ المُبَاحِ والحَلالِ ومنْهُ المُتَوَرِّعُ للتَّقِيِّ المُتَحَرِّجِ
وممّا يستدْرَكُ عليهِ : وَرَّعَ بَيْنَهُمَا تَوْرِيعاً : حَجَزَ وأوْرَعَ أعْلَى
ووَرَّعَ الفَرَسَ : حَبَسَهُ بلِجامِه قالَ أبو دُوَادٍ :
فبَيْننا نوَرِّعُه باللِّجام ... نُرِيدُ بهِ قَنَصاً أو غِوارَا أي : نَكُفُّه ونَحْبِسُه بهِ
وما وَرَّعَ أنْ فَعَلَ كذا وكذا أي : ما كَذَّبَ
وسَمَّوا مُوَرِّعاً ووَرِيعَةَ كمُحَدِّثٍ وسَفِينَةٍ