الكَيْفُ : القطْعُ وقد كافَه يَكِيفُه ومنه : كَيَّفَ الأَدِيمَ تَكْيِيفاً : إذا قَطَعه . وكَيْفَ ويُقال : كَيْ بحَذْفِ فإئه كما قالُوا في سَوْفَ : سَوْ ومنه قولُ الشاعرِ :
كَيْ تَجْنَحُونَ إلى سَلْمِ ومأثُئِرَتْ ... قَتْلاكُمُ ولَظَى الهَيْجاءِ تَضْطَرِمُ كما في البَصائِرِ قال الجَوهرِيُّ : اسمٌ مُبْهَمٌ غيرُ مُتَمَكِّنٍ وإِنّما حُرِّكَ آخِرُه للسّاكِنَيْنِ وبُنِي بالفَتْحِ دونَ الكُسْرِ لمَكانِ الياءِ كمَا في الصِّحاحِ وقال الأَزْهرِيُّ : كَيْفَ : حرفُ أَداةٍ ونُصِبَ الفاءُ فِراراً به من الياءِ الساكنةِ فهيا لئلاّ يَلْتَقِي ساكنانِ . والغالبُ فيه أَنْ يَكُونَ اسْتِفهاماً عن الأَحْوالِ إِما حَقِيقِيّاً ككَيْفَ زَيْدٌ ؟ أَو غَيْرَهُ مثل : " كَيْفَ تَكْفُرُونَ باللهِ " فإنَّهُ أُخْرِج مُخْرَجَ التَّعَجُّبِ والتّوْبِيخِ وقالَ الزَّجاجُ : كيفَ هُنا : اسْتِفْهامٌ في معنَى التَّعَجُّبِ وهذا التَّعَجُّبُ إِنّما هو للخَلْق وللمُؤْمِنِينَ أَي اعْجَبُوا من هؤُلاءِ كيفَ يَكْفُرُونَ بالهِ وقد ثَبَتَتْ حُجَّةُ اللهِ عليهم ؟ وكذلِكَ قولُ سُوَيْدِ بنِ أَبي كاهِلٍ اليَشْكُرِيِّ :
كيفَ يَرْجُونَ سِقاطِي بَعْدَما ... جَلَّلَ الرّأْسَ مَشِيبٌ وصَلَعْ
فإِنّه أُخْرِجَ مُخْرَجَ النَّفْيِ أَي : لا تَرْجُوا مِنِّي ذلِك . ويَقَعُ خَبَراً قَبْلَ ما لا يَسْتَغْنِي عَنْه كَكَيْفَ أَنْتَ ؟ وكَيْفَ كُنْتَ ؟ . ويَكُونُ حالاً لا سُؤالَ معه كقَوْلِكَ : لأُكْرِمَنَّكَ كَيْفَ كُنْتَ أَي : عَلى أَيِّ حالٍ كُنْتَ وحالاً قَبْلَ ما يَسْتَغْنِي عَنْهُ ككَيْفَ جاءَ زَيْدٌ ؟ . ويَقَعُ مَفْعولاً مُطْلَقاً مثل : " كَيْفَ فَعَل رَبُّكَ " . وأَما قَوْلُه تعالى : " فكَيْفَ إِذا جِئْنَا مِنْ كُلّش أُمَّةٍ بشَهِيدٍ " فهو تَوْكِيدٌ لِما تَقَدَّمَ من خَبَرٍ وتَحْقِيقٌ لما بعَده على تَأْوِيلِ إِنَّ الله لا يَظْرِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ في الدُّنْيا فكَيْفَ في الآخِرَةِ ؟ وقِيلَ : كيفَ يُسْتَعْمَلُ على وَجْهَيْنِ : أَحَدُهما : أَن يكونَ شَرْطاً فيَقْتَضِي فعْلَيْنِ مُتَّفِقَي اللَّفْظِ والمَعْنَى غيرَ مَجْزُومَيْنِ ككَيْفَ تَصْنَعُ أَصْنَعُ ولا يَجوزُ كَيْفَ تَجْلِسُ أَذْهَبُ باتِّفاقٍ . والثاني : - وهو الغالِبُ - أَنْ يكونَ اسْتِفْهاماً وقد ذَكَرَه المُصَنِّفُ قَرِيباً . وفي الارْتِشاف : كَيْفَ : يكونُ اسْتِفْهاماً وهي لتَعْمِيم الأَحْوالِ وإِذا تَعَلَّقَت بجُمْلَتَيْنِ فقالُوا : يكونُ للمُجازاةِ من حَيْثُ المَعْنَى لا مِنْ حَيْثُ العَمَل وقَصُرت عن أَدوات الشَّرْطِ بكَوْنِها لا يَكُونُ الفِعلانِ مَعَها إلا مُتَّفِقَيْنِ نحو : كيفَ تَجْلِسُ أَجلِسُ . وقالَ شَيْخُنا : كَيْفَ : إِنما تُسْتَعْمَلُ شَرْطاً عند الكُوفِيِّينَ ولم يَذْكُرُوا لها مِثالاً واشْتَرَطُوا لها مع ما ذَكَر المُصنِّفُ أَن يَقْتَرِنَ بها ما فيُقالُ : كَيْفَما وأَمّا مُجَرَّدةً فلم يَقُل أَحَدٌ بشَرْطِيَّتها ومن قال بشَرْطِيَّتِها - وهم الكُوفِيُّون - يَجْزِمُونَ بها كما في مبادِئ العَرَبِيَّة ففي كلامِ المُصَنِّفِ نَظَرٌ من وَجُوهٍ . قلتُ : وهذا الذي أَشارَ له شيْخُنا فقد ذَكَره الجوهريُّ حيثُ قال : وإِذا ضَممْتَ إليه ما صَحَّ أَن يُجازَى به تَقُولُ : كَيْفَما تَفْعَلُ أَفْعَلْ . وقال ابنُ بَرِّيّ : لا يُجازَى بكَيْفَ ولا بَكَيْفما عندَ البَصْرِيِّينَ ومِنَ الكُوفِيِّينَ من يُجازِي بكَيْفَما فتَأَمَّلْ هذا مع كلامِ شَيْخِنا . وقال سِيبَوَيْهِ : إِنَّ كَيْفَ : ظَرْفٌ . وعن السِّيرافِيّ والأَخْفَش : لا يَجُوزُ ذلِك أَي أَنَّها اسمٌ غيرُ ظَرْفٍ . ورَتَّبُوا على هذا الخِلافِ أُموراً : أَحْدُها : أَنَّ موضِعَها عندَ سِيبَوَيْهِ نَصْبٌ وعندَهُما رَفْعٌ من المُبْتَدإِ نَصْبٌ مع غيرِه . الثاني : أَنَّ تَقْدِيرَها عندَ سِيَبَويْهِ في أَيِّ حالٍ أَو عَلى أَيِّ حالٍ وعِنْدَهُما تَقْدِيرُها في نحو : كَيْفَ زَيْدٌ ؟ أَصَحِيحٌ ونحوُه وفي نحو ؟ : كَيْفَ جاءَ زَيْدٌ ؟ راكِباً جاءَ زَيْدٌ ونَحْوه . الثالث : أَنَّ الجَوابَ المُطابِقَ عندَ سِيبَوَيْه : على خَيْرٍ ونَحْوه وعندَهُما : صَحِيحٌ أَو سَقِيمٌ ونحوه . وقال ابنُ مالِكٍ : صَدَقَ الأَخْفَشُ والسِّيرافِيُّ لم يَقُلْ أَحَدٌ إِنَّ كَيْفَ ظَرْفٌ إِذ لَيْسَ زَماناً ولا مَكاناً ونَعَم لمّا كانَ يُفَسَّرُ بقَوْلِكَ : على أَيِّ حالٍ - لكَوْنِه سُؤالاً الأَحْوالِ العَامَّةِ - سُمِّيَ ظَرْفاً لأَنَّها في تَأْوِيلِ الجارَّ والمَجْرُورِ واسمُ الظَّرْفِ يُطْلَقُ عَلَيْهما مَجازاً . وفي الارتِشافِ : سِيبَوَيْهِ يَقُول : يُجازَى بكَيْفَ والخَلِيلُ يَقُول : الجَزاءُ بهِ مُسْتَكْرَةٌ وقال الزَّجاجُ : وكُلُّ ما أَخْبر الله تعالى عن نَفْسِه بلَفْظِ كيفَ فهو اسْتِخبارٌ على طَرِيقِ التَّنْبِيهِ للمُخاطَبِ أَو تَوْبِيخٌ كما تَقَدَّمَ في الآيةِ . قالَ ابنُ مالِكٍ : ولا تَكُونُ عاطِفَةً كما زَعَمَ بعضُهم مُحْتَجّاً بقَوْلِه أَي الشاعر :
إِذا قَلَّ مالُ المَرْءِ لانَتْ قَناتُه ... وهانَ على الأَدْنَى فكَيْفَ الأَباعِدِ ؟لاقْتِرانِه بالفاءِ وَصُّ ابنِ مالكٍ : ودُخُولُ الفاءِ عليها يَزِيدُ خَطَأَه وُضُوحاً ولأَنَّه هُنا اسمٌ مَرْفُوعُ المَحَلِّ عَلى الخَبَرِيَّةِ . ثم إِنَّ المصنِّفَ يستَعمِلُ كيفَ مُذَكَّراً تارَةً ومُؤَنّثاً أُخْرَى وهما جائِزانِ فقالَ اللِّحْيانِيُّ : كيفَ مُؤَنَّثَةٌ فإِذا ذُكِّرتْ جازَ . والكِيفَةُ بالكسرِ : الكِسْفَةُ من الثَّوْبِ قالَه اللِّحْيانِيًّ . والخِرْقَةُ التي تَرْقَعُ بها ذَيْلَ القَمِيصِ من قُدّامُ : كِيفةٌ وما كانَ مِنْ خَلْفُ فحِيفَةٌ عن أَبي عَمْرٍو وقد ذُكِرَ في مَوْضِعهِ . وقال الفَرّاءُ : يقالُ : كَيْفَ لِي بفلانٍ ؟ : فَتَقول : كُلُّ الكَيْفِ والكَيْفَ بالجَرِّ والنَّصبْ . وحِصْنُ كِيفى كضِيزَى : قَلْعَةٌ حَصِينَةٌ شاهِقَةٌ بينَ آمِدَ وجَزِيرَةِ ابنِ عُمَرَ وفي تاريخ ابن خِلِّكان : بَيْنَ مَيّافارِقِينَ وجَزِيرةِ ابنِ عُمَرَ . قلتُ : والنِّسْبَةُ إليه : الحَصْكَفِيُّ . وقال اللِّحْيانِيّ : كَوَّفَ الأَدِيمَ وكَيَّفَهُ ؟ : إِذا قَطَعَه من الكَيْفِ والكَوْفِ . وقولُ المُتَكَلِّمِينَ في اشْتِقاقِ الفِعْلِ من كَيْفَ : كَيَّفْتُه فتَكَيَّفَ فإِنَّه قِياسٌ لا سَماعَ فِيه من العَرب ونَصُّ اللِّحْيانِيّ : فأَمّا قَوْلَهم : كَيَّفَ الشيءَ فكلامٌ مُوَلَّدٌ . قلتُ : فَعَتى بالقِياسِ هُنَا التَّوْلِيدَ قال شيخُنا : أَو أَنَّها مَوَلَّدَةٌ ولكن أَجْرَوْهَا على قِياسِ كلامِ العَرَب . قلتُ : وفيه تَأَمُّلٌ . قال ابنُ عَبّادٍ : وانْكافَ : انْقَطَعَ فهو مُطاوعُ كافَه كَيفاً . قال : وتَكَيَّفَه أَي الشيءَ : إِذا تَنَقَّصَه كتَحَيَّفَه . وأَمّا قولُ شَيْخِنا : ويَنْبَغِي أَن يَزِيدَ قوَلَهم : الكَيْفِيَّةُ أيْضاً فإِنَّها لا تكادُ تُوجَدُ في الكلامِ العَربِيِّ . قلتُ : نَعَمْ قد ذكَرَه الزَّجّاجُ فقالَ : والكَيْفِيَّةُ : مصدَرُ كَيْفَ فتأَمَّل
فصل اللام مع الفاءِ